يعد محمد بن غالب (غلاب) بن عثمان بن صديق بن غلاب من عائلة الشفاعنة الأنصار، التي تنحدر من قرية شندويل البلد بمركز المراغة في محافظة سوهاج. عائلة الشفاعنة الأنصار هي إحدى العائلات البارزة في المنطقة، وهي تمتد إلى قبيلة المعابدة الأنصار، التي يعود نسبها إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة (رضي الله عنه). عائلة غلاب بك كانت من الأسر المؤثرة في تاريخ شندويل البلد، حيث كان لها دور بارز في الحياة الاجتماعية والسياسية.
وُلد غلاب بك في بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، وتربى في بيئة قروية غنية بالتقاليد والتاريخ. كانت شندويل البلد آنذاك قرية بسيطة ولكنها حافلة بالعادات والتقاليد التي توارثها أهلها عبر الأجيال. كان غلاب بك يتمتع بذكاء حاد وطموح، فقرر الالتحاق بالجيش المصري في وقت كانت الفرص فيه محدودة لأبناء المصريين، حيث كانت الأولوية لأبناء الشراكسة والأتراك. ومع ذلك، تمكن غلاب بك من إثبات نفسه في الجيش المصري، وكان له دور محوري في الثورة العرابية التي قادها أحمد عرابي ضد ظلم الخديوي توفيق في أواخر القرن التاسع عشر.
التحاقه بالجيش المصري
في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعيشها مصر في ذلك الوقت، وكان الجيش المصري يعاني من ضعف في التنظيم والتسليح، فضلًا عن تفضيل الضباط الشراكسة والأتراك على المصريين، قرر غلاب بك أن يكون جزءًا من التغيير. في عام 1870م، قرر غلاب بك الالتحاق بالجيش المصري، وكان ذلك في وقت تزايد فيه الوعي الوطني في مصر. كان من المؤيدين للثورة العرابية، التي كانت تهدف إلى إصلاح الجيش المصري وتحسين وضعه الاجتماعي والسياسي. وبالفعل، نجح غلاب بك في أن يكون بين طلاب المدرسة العسكرية، حيث أظهر تفوقه، وتخرج برتبة ملازم في عام 1890م.
دوره في الجيش المصري
بعد تخرجه، أظهر غلاب بك براعة في القيادة العسكرية، وارتقى بسرعة في المناصب العسكرية. في فترة حكم الملك فؤاد الأول، حصل على لقب "البكاويه" تقديرًا لخدماته العسكرية، وهو اللقب الذي يُمنح للأعيان المصريين الذين قدموا خدمات جليلة للوطن. ورغم ذلك، يبقى غلاب بك أشهر بصفته قائدًا عسكريًا في السودان، حيث قاد الجيش المصري هناك وساهم في تعزيز الروابط بين مصر والسودان. في تلك الفترة، كان الجيش المصري يعاني من تحديات كبيرة في السودان، وكان غلاب بك أحد القادة الذين تمكنوا من توجيه الجيش بشكل فعال.
قصر غلاب بك في شندويل البلد
من أبرز معالم قرية شندويل البلد هو قصر غلاب بك، الذي يقع غرب القرية. القصر شُيد في أرض كانت مملوكة لعائلة صالحين أبو شافعين الأنصاري، ويعد من المعالم التاريخية المهمة في المنطقة حيث يتميز بطابع معماري أندلسيي فريد مختلف عن قصور شندويل . يقع القصر بالقرب من ضفاف النيل، وكان يتعرض لمياه الفيضان في موسم الشتاء، مما كان يضفي عليه طابعًا مميزًا. لا يزال القصر قائمًا حتى اليوم، ويعد رمزًا من رموز التاريخ العريق لعائلة غلاب بك في شندويل.
غلاب بك والمواقف الوطنية
غلاب بك كان دائمًا حريصًا على الحفاظ على الروح الوطنية والانتماء لوطنه مصر، وكان له العديد من المواقف التي تدل على حنكته وذكائه، ومنها الموقف الذي وقع عندما نظم محمود باشا الشندويلي احتفالًا للملك فؤاد الأول، حيث أوضح غلاب بك للملك أن الحفل لم يكن من تنظيم مديرية جرجا، بل كان من تنظيم بلدياته محمود باشا الشندويلي. هذه الحادثة توضح مدى تأثير غلاب بك في محيطه، وحرصه على إبراز الدور الذي لعبته شندويل البلد في الحياة السياسية والاجتماعية في مصر.
حياة غلاب بك الاجتماعية
تزوج غلاب بك من السيدة زكية، ابنة محمود باشا توفيق، كبير الياوران للخديوي عباس حلمي الثاني. أنجب منها ثلاثة ذكور وثلاث إناث، منهم الدكتور سيد غلاب بك، الذي كان له دور بارز في المجتمع المصري. كان غلاب بك يعتبر الأسرة جزءًا أساسيًا من قيمه، وكان دائمًا يحرص على تعليم أبنائه وتوجيههم نحو خدمة الوطن والمجتمع.
تعد حياة غلاب بك نموذجًا للقيادة الحكيمة والانتماء العميق للوطن، وكان له تأثير كبير في شندويل البلد، حيث كان يُعتبر رمزًا من رموز الفخر والاعتزاز. لا يزال أبناء شندويل يتذكرون إنجازاته ويحتفظون بذكراه في قلوبهم، ويعتبرونه مثالًا يحتذى به في الوطنية والعطاء.
ختامًا
غلاب بك كان رمزًا من رموز الوطنية والقيادة العسكرية في مصر. ورغم أن حياته كانت مليئة بالإنجازات العسكرية والسياسية، إلا أنه ظل دائمًا مخلصًا لأرضه وشعبه في شندويل البلد. لا تزال ذكراه حية في قلوب أبناء شندويل، وتظل قصة حياته مصدر إلهام للأجيال القادمة. إن قصره التاريخي، والمواقف التي سطرها في صفحات التاريخ، تعد إرثًا يستحق الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
-